فعال لما يريد
إن الله فعال لما يريد، وهذا يعني أنه قادر على فعل كل ما يشاء، وما من شيء يعجزه أو يصرفه عن إرادته. وهذا الفعل لا يتعارض مع عدله وحكمته، فهو لا يفعل إلا ما فيه خير لعباده، وإن كان قد ابتلاهم بالشدائد والمحن، فذلك لما فيه من المصالح والحكم التي لا يعلمها إلا هو وحده.
مظاهر فعل الله
تتجلّى مظاهر فعل الله في خلقه وفي تدبيره لأمور الكون والعباد، فمن ذلك:
خلق السماوات والأرض وما بينهما: لقد خلق الله الكون بقدرته العظيمة، وأتقن خلقه، وسخّر فيه كل شيء لخدمة الإنسان.
إحياء الأرض بعد موتها: يرسل الله الأمطار لتحيي الأرض بعد موتها، فتزهر النباتات وتثمر الأشجار، وتصبح الأرض جنة خضراء مليئة بالحياة.
تدبير شؤون العباد: يقدر الله أرزاق العباد ويوزعها عليهم، ويسير أمورهم جميعًا، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
تسخير الكون لخدمة الإنسان: سخّر الله الكون لخدمة الإنسان، فجعل له الشمس والقمر والنجوم، والماء والهواء والنار، وكل ما يحتاج إليه الإنسان في حياته.
إرسال الرسل والأنبياء: أرسل الله الرسل والأنبياء لهداية الناس وإرشادهم إلى الصراط المستقيم، فمن آمن بهم واتبعهم نجا من عذاب النار ودخل الجنة.
إقامة العدل بين الناس: يقيم الله العدل بين الناس، ويحاسب الظالمين وينصر المظلومين، ولا يضيع حقًا لأحد عنده.
إيجاد الخير في الشر: قد يبدو بعض الأحداث التي يقدرها الله شرًا، لكن الله يحولها إلى خير بإرادته، ويجعل فيها من المصالح والحكم ما لا يعلمه إلا هو وحده.
الحكمة من أفعال الله
كل أفعال الله قائمة على الحكمة البالغة، وإن لم يعلم الإنسان حكمة بعضها، فمنها:
اختبار العباد: يبتلي الله عباده بالشدائد والمحن ليمتحن صبرهم وإيمانهم، ويرفع درجاتهم عند الصبر والاحتساب.
تطهير النفوس: قد يبتلي الله عباده بالذنوب والمعاصي ليطهر نفوسهم ويذكرهم بحاجتهم إليه، ويرجعوا إليه تائبين منيبين.
إظهار قدرته: تظهر قدرة الله في خلقه وتدبيره لأمور الكون والعباد، فيعلم الناس عظمته وجلاله، ويخشونه ويطيعونه.
تذكير الناس بالآخرة: كل أفعال الله في الدنيا تذكّر الإنسان بالآخرة، وأن الدنيا دار زوال وفناء، والآخرة دار بقاء ونعيم.
إقامة الحجة على الناس: بأفعال الله الواضحة الدالة على قدرته وحكمته، لا تقوم الحجة على الناس في الآخرة، ولا يكون لأحد عذر في عدم الإيمان به.
إسعاد عباده المتقين: يسعى الله لإسعاد عباده المتقين في الدنيا والآخرة، فييسر لهم أسباب السعادة ويسهل لهم أمورهم، ويدخلهم الجنة في الآخرة.
إهلاك الظالمين المجرمين: يملي الله للظالمين المجرمين، لكنه لا يهملهم ولا يغفر لهم، بل يعذبهم في الدنيا والآخرة عذابًا شديدًا.
فضل الإيمان بفعال الله
الإيمان بفعال الله من صفات المؤمنين الصادقين الذين يوقنون بأن الله فعال لما يريد، وهذا الإيمان له فضل عظيم، من ذلك:
طمأنينة القلب: يطمئن قلب المؤمن إلى أن الله قادر على كل شيء، وأنه لا يصيبه إلا ما قدره الله له، فيسلم أمره لله ويرضى بقضائه.
التوكل على الله: يتوكل المؤمن على الله في كل أموره، ويعلم أن الله كفيله ورازقه، فيستعين به على كل حال.
الصبر على البلاء: يصبر المؤمن على البلاء والشدائد، ويعلم أنها من قدر الله تعالى، وأن الله يحبه ويختبره فيصبّر ويحتسب.
تجنب اليأس والقنوط: لا ييأس المؤمن من رحمة الله، ولا يقنط من فوائده، ويعلم أن الله قادر على إصلاح كل أمر، وتغيير كل حال.
الإخلاص في العبادة: يخالص المؤمن الله في عبادته، ويعلم أن الله فعال لما يريد، فلا يريد من عبادته ثوابًا جزئيًا أو مدحًا من الناس.
حب الله تعالى: كلما زاد معرفة المؤمن بفعال الله، زاد محبته له، وتعلّق به، وأيقن بعظمته وقدرته.
دوام الذكر والتسبيح: يكثر المؤمن من ذكر الله وتسبيحه، ويوقن أن الله قادر على كل شيء، وأنه فعال لما يريد.
التحذير من الإنكار بفعال الله
حذّر الله تعالى من الإنكار بفعال الله، ومن اتخاذ الآلهة والأصنام من دونه، وأخبر أن هذا من أكبر الكبائر، ومن ذلك:
الشرك الأكبر: هو اتخاذ آلهة وأصنام من دون الله، وعبادتها والتضرع إليها، وهذا من أكبر الكبائر التي لا يغفرها الله تعالى.
الإلحاد: هو إنكار وجود الله تعالى أو إنكار صفاته وأفعاله، وهذا من أخطر الكفر.
القدرية: هي الاعتقاد بأن الإنسان خلق أفعاله بنفسه، وأن الله غير قادر على فعل شيء إلا بمشيئته، وهذا من الكفر البواح.
الجبرية: هي الاعتقاد بأن الإنسان مجبور على أفعاله، وأن لا إرادة له في فعل شيء، وهذا أيضًا من الكفر.
التفويض الباطل: وهو تفويض أفعال الله إلى الناس أو إلى الأسباب، وهذا أيضًا من الكفر، لأن الله وحده هو الفعال لما يريد.
الاعتراض على أفعال الله: لا يجوز للمؤمن أن يعترض على أفعال الله، أو يسأل لماذا فعل كذا ولم يفعل كذا، بل عليه السمع والطاعة والإيمان بأن فعل الله هو الصواب مهما ظهر للناس.
إغفال ذكر الله تعالى: قد يهمل بعض الناس ذكر الله تعالى في ابتداء أعمالهم، وهذا من الغفلة عن قدرة الله تعالى، ومن التقليل من شأنه.
أمثلة على فعل الله في القرآن
ورد ذكر فعل الله في القرآن الكريم في كثير من الآيات، منها:
قال تعالى: “إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” (البقرة: 20)
قال تعالى: “إِنَّ اللَّهَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ” (البروج: 16)
قال تعالى: “إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ” (آل عمران: 9)
قال تعالى: “وَإِنْ يَشَأْ اللَّهُ يُذْهِبْ رِيحَكُمْ” (محمد: 18)
قال تعالى: “إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ” (الشورى: 19)
الخلاصة
إن الله فعال لما يريد، وهذا الفعل لا يتعارض مع عدله وحكمته، بل كل أفعاله قائمة على الحكمة البالغة، وإن لم يعلم الإنسان حكمة بعضها. والإيمان بفعال الله من صفات المؤمنين الصادقين الذين يوقنون بأن الله قادر على كل شيء، وأنه لا يصيبه إلا ما قدره الله له. وقد حذّر الله تعالى من الإنكار بفعال الله، ومن اتخاذ الآلهة والأصنام من دونه، وأخبر أن هذا من أكبر الكبائر.