شِعرُ الهِلالِ
مدخلٌ
الهِلالُ: مرحلةٌ مِن مراحلِ القمرِ، وهو الجزءُ المُنارُ منهُ والذي يبدو في أطواره الأولى جليَّاً للمشاهدينَ. وقد شَغَل الهِلالُ حيزاً هائلاً في الشعرِ العربيِّ، وكان لهُ حضورٌ لافتٌ في القصائدِ المختلفةِ، سواءً أكانت قصائدَ غزلٍ، أم حماسةٍ، أم وصفٍ، أم غيرِ ذلك.
الهلال في الشعر العربي القديم
كان الهِلالُ حاضراً في الشعرِ العربيِّ القديمِ منذُ العصر الجاهليِّ، فقد تغنى بهِ الشعراءُ في مُختلف أغراضِ الشعرِ. ونجدُ في شعرِ امرئ القيسِ مثلاً، أروعَ ما قيلَ في وصفِ الهِلالِ وما يتعلقُ بهِ من صورٍ، يقولُ في مُعَلَّقَتِه الشهيرةِ:
“أَلاَ هُبّي بِصَحْنِكِ فَإِنَّنَا غَدًا مُرْحَلُونَ وَلَيْسَ المُقَامُ بِنَا”
“هَلُمِّي فَاسْقِينِي ثُمَّ قولي مَتى غَدًا نَرحَلُ أَوْ مُتَى تَعْفِينَ أَوْ تَرْتَحِلُ”
“فَوَ اللهِ مَا أَدْرِي وَإِنِّي لَظَانٌّ بِأَنَّ سَلاَمَةَ مَصْرُوفَةٌ عَنِّي”
“وَأَنَّ سُعَادًا تَقْتُلُنِي بِهِجْرِهَا وَإِنْ لَمْ تَشَا أَنْ تَذْبَحَنِي بِيَمِينِ”
كما نجدُ الهِلالَ حاضراً في شعرِ كثيرٍ من شعراءِ العصرِ الأمويِّ، ومنهم بشارُ بنُ بُردٍ، الذي يقولُ في قصيدةٍ لهُ:
“قَدْ هَتَفَتْ طَيْرٌ بِعَوْجٍ فَأَنْصَتَتْ لِهَا طَيْرٌ عَلَى رَأْسِ خَرْنُوبِ”
“فَافْصِحَتْ بِالشِّعْرِ أَوْ فَأَدْنَتْهُ بِهَمْهَمَةٍ لَكَنْ كَفَى بِهَا إِنْشَادًا وَتَطْرِيبًا”
“فَاتَّخَذْنَا الْهِلالَ مَوْقِفًا لِلشِّعْرِ وَالطَّرَبِ الَّذِي يُجْنِي عَلَيْنَا”
الهلال في العصر العباسي
بلغَ حضورُ الهِلالِ في الشعرِ العربيِّ أوجهُ في العصرِ العباسيِّ، حيثُ كَثُرَ ذِكْرُهُ في قصائدِ الشعراءِ، وكان من أشهرِ من تغنى بهِ أبو العتاهيةُ الذي يقولُ:
“أَلاَ أَيُّهَا الْهِلاَلُ الْمُبَارَكُ لِلتَّقَى وَأَبْيَضُ لَوْنُهُ فِي السَّمَاءِ تُرَى كَسِيفٍ”
“وَأَنْتَ وُجُهٌ لَهُنَّ سِرابٌ تُرَى ثُمَّ يَلْفِظُهُنَّ السَّمَاءُ وَأَنْتَ كَنَوْمٍ تَرَاهُ الْعُيُوْنُ فَيُبْكيكَ رَوْعَةٌ مِنْهُ لَيْسَتْ تَكُوْنُ”
“وَأَنْتَ كَفَرْبَةٍ لَوْ سُجِيَتْ بِأَلْوَانِهَا الْخُضْرِ لَوْنُ الدمَاءِ”
الهلال في شعر الحنين
للهلال حضورٌ جليٌّ في أشعارِ الحنينِ والشوقِ، فهو لصيقٌ بمُشاعرِ المغتربينَ وتوقِهم إلى أرضِ الوطنِ، ومن أجملِ ما قيلَ في هذا المعنى قولُ أبي الطيبِ المتنبيِّ:
“أَلاَ لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبَاتُ بِمَنْزِلٍ يَقُولُ بِهِ الركبَانُ هَذَا مَقَامُهُ”
“فَمَا طَابَ نَوْمٌ لَا يَذُوقُ بَرْدَهُ حَبيبٌ أُرِيقَتْ بَيْنَنَا الدِّمَاءُ”
“وَلَا جَادَ مَطْرٌ لَا يُقَاسمُنَا الهُنَا بِهِ مَنْ جَفَا فَجَفَوْنَا فَجَفَوْنَاهُ”
الهلال في شعر الغزل
حظي الهلالُ بنصيبٍ وافرٍ من أشعارِ الغزلِ، فقد شبَّههُ الشعراءُ بجمالِ محبوبتهم، وتغنوا بحسنهِ وبريقهِ، ومن أجملِ ما قيلَ في هذا المعنى قولُ أبي فراسِ الحمدانيِّ:
“أَلاَ لَيْتَ شِعْرِي بِأَيِّ الْمِنَى تَذَكَّرْتُهَا فِي الدُّجَى فَتَوَقَّدَا”
“أَشَمْسٌ بَدا لِي أَوْ قَمَرٌ أَزَالَ الدُّجَى أَمْ أَخِيلَةُ مِنْ خِيَالٍ تَجَسَّدَا”
“فَمَا لِي سِرَاهَا وَمَا لِي بِوُدِّهِمْ وَلاَ مَا لِمَوْلَاتِنَا إِذ تَنَقَّدَا”
الهلال في شعر الحكمة والموعظة
وللهلالِ حضورٌ بارزٌ في شعرِ الحكمةِ والموعظةِ، حيثُ استخدمهُ الشعراءُ للدعوةِ إلى التوبةِ والزهدِ في الدنيا، ومن أجملِ ما قيلَ في هذا المعنى قولُ الحسنِ البصريِّ:
“يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَقْبِلُوا النُّصْحَ مِنِّي فَإِنِّي لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ”
“الْمُصْطَفَى أَوْصَانَا بِتَقْوَى الْإِلَهِ وَخَوَّفَنَا نَارًا بِهَا نَتْلَوَّى”
“فَأَصْدِقُوا أَعْمَالَكُمْ مَا بَقِيَتْ لَكُمْ نَفْسٌ وَأَسْعَارُكُمْ تَتْلُوَّا”
الهلال في الشعر الحديث
حافظَ الهلالُ على مكانتِهِ الرفيعةِ في الشعرِ العربيِّ الحديثِ والمعاصرِ، وتغنى بهِ كُبارُ الشعراءِ، ومن أجملِ ما قيلَ في هذا المعنى قولُ الشاعرِ نزارِ قبانيِّ:
“هَلَّا اغْتَسَلْنَا بِهِ يا نَفْسِي مُرَّةً مِنْ مِيهَاتِ الشَّعرِ وَاللَّوْنِ وَالأَسْطُورَا”
“هَلا نَتَقَاسَمُهُ بِالنُّصفِ غِنيْمَةً بَيْنَ الرّياحِ وَبَيْني يَا رَفيقَةَ العُمرِ”
“وَنُخَبِّئُهُ لِلأَحْفَادِ كَنْزًا لِيَتَغَنَّوْا بِهَا طُولَ اللَّيَالِي وَالأَعْصُرِ”